من أين ينبع الحب ؟ من القلب أم العقل ؟
حسب الاعتقادات الشعبية، فان الحب ينبع من القلب، أما العلم الحديث، فيدرك بشكل قاطع ان الحب حالة ترتبط بالدماغ وبجملة عمليات كيماوية مختلفة تجري في جسم الانسان.
أما جوهر هذه العمليات، فلا يزال يشكل بالنسبة للعلماء أكثر الالغاز غموضا، حتى ان تغيرت ملامح الحب بمرور الزمن.
فمضامين الحب ربما اخذت أشكالا عديدة بعد ان تطورت الحضارة البشرية، فالمرأة التي تختار شريك حياتها لا بد لها ان تتأثر بالحب لو لفترة قصيرة تسبق الزواج، وخيارها مرهون بها، خاصة بعد ان استقلت ماليا، وأصبحت تنافس الرجل في مختلف مجالات العمل والحياة، لذلك، فان قراراتها العاطفية، انما تخرج من قناعات منضبطة، وكذلك الحال بالنسبة للرجل، الذي يستطيع ان يتأثر بعواطفه التي تقوده في نهاية المطاف إلى اختيار شريكة حياته بنفسه، من خلال مشاعر الود أو الحب التي تتولد في داخله.
طبعا، اختيار المر أة لشريك حياتها، يختلف عن اختيار الرجل لشريكة حياته، فهي تتأثر ببعض المواصفات التي ينبغي على الرجل التمتع بها، لكن المشترك بين الاثنين ربما يتعلق بطريقة التصرف أو السلوك وكذلك الاخلاق العامة، فضلا عن مسحة الجمال الشخصي، وكل هذه المواصفات، تلعب دورا مهما في ابرام العقد الاجتماعي بين الرجل والمرأة، لكن التصنيف من حيث الجنس يختلف ما بين الاثنين، فاكثرية الرجال يبحثون عن الجمال في المرأة، في حين تبحث أكثرية النساء عن موقع ومكانة الرجل في المجتمع وأيضا عن جديته وثباته وقوة شخصيته، أي انهن يختزن الرجل المتماسك والمتوازن، أما قضية الجمال، فتأتي في المراتب المتأخرة من هذه المواصفات. فالجميع الذين مروا بمراحل الحب المختلفة، ربما يتذكرون جيدا لحظة الحب من النظرة الأولى، التي تصيبهم بحالة نفسية خاصة، حيث يجف فمهم، ولا يستطيعون الحديث، وتتهيج عواطفهم وكأنها تشب نارا في عروقهم ويرتفع نبض قلوبهم وتتسارع دقاته.
وحسب العلماء، فان ذلك يحدث للبعض ولا يحدث للبعض الآخر، والذين يتأثرون به يتميزون بحساسيتهم الكبيرة، التي تعكس مثل هذه الاشارات التي تعتبر في غاية الضرورة للشعور بالحب.
لكن من الجانب العلمي، فان لعبة الحب هذه، ترتبط بارتفاع مناسيب هرمونات السعادة والفرح، مثل هرمون Noradrebalin وهرمون Endorin اللذين يثيران موجة الاحاسيس الخاصة المريحة.
ويبدو ان أكثر الهرمونات خصوصية، هو هرمون Luliberin.
فقد جرب العلماء على بعض العينات من الزوجات والأزواج هذا الهرمون، فوجدوا ان سلوكهم تغير بشكل بالغ، حيث ازدادت عاطفتهم في كلامهم أو في اتصالاتهم الجنسية.
وهناك أيضا، هرمون Oxytocin الذي يلعب دورا وسطيا، حيث تنحصر مهمته في التأثير على طبيعة الاحاسيس العاطفية أو البيولوجية المرتبطة بالتجارب العقدية المتبادلة بين الزوج وزوجته، مثل الولادة والرضاعة والاتصال الجنسي، وغيرها.
وقد وجد العلماء في الآونة الأخيرة، ان مستوى هذا الهرمون يرتفع أيضا أثناء الاختناقات أو الضغوط النفسية.
لكن الأمر بالنسبة لهذا الهرمون ليس سهلا، لانه يحتاج من أجل استكمال عملية التأثير إلى وجود هرمون آخر هو هرمون Dopamin، والسبب هو استكمال حلقة الاحساس الايجابي في دواخل الانسان.
ويوجد هرمون Dopamin بكميات كبيرة في الدماغ، وقد اثبتت إحدى الدراسات، ان نشاط الدماغ يرتفع أثناء نظر المحب إلى صورة حبيبته في اللحظات التي يتناول فيها مادة «الكوكائين».
لذلك، فان العلماء قد توصلوا إلى ان ثمة خلاصة عملية مفادها ان الـOxytocin يعمل بصورة مشتركة مع افرازات الجسم الهرمونية الأخرى. وارتباطا بذلك، فان مستوى الاحاسيس الداخلية يرتفع ومن ثم يتحول إلى عواطف جياشة وحارقة. فلو كان في مستطاع العلماء الحصول على الـOxytocin بطرق سهلة، لكان بالامكان تصنيع شراب خاص منه يمكن تسميته بـ«شراب الحب»، لكن واقع الحال، يتميز بمصاعب جمة، فالأمر ليس بهذه السهولة، لان مشاعر الاحساس بالحب، تمر عبر ميكانيزم معقد من التفاعلات الكيماوية التي تجتاح اجزاء الدماغ المختلفة، وان هرمون الـ«Oxytocin» هو واحد من هذه الأجزاء العقدية، لكنه الأكثر تأثيرا على هذه التفاعلات.